رواية داويني ببلسم روحك - تحميل PDF





"اقتباس من الرواية"

(اريد العودة لبيتي)
يرددها قلب رقية بدون ادني صوت لان عقلها متيقن ان لا فائدة كن هذا الرجاء.
ليس الان وهي قد أصبحت في دولة اخري تبعد عن بلدها خمس ساعات بالطائرة. ليس الان وهي في سيارة رجل لم تره من قبل في سيارته الخاصة التي ليست سيارة حقيقية وإنما شاحنة لنقل البضائع.
رجل متوتر مشدود الملامح مشقوق الشفاه العلوية والحاجب الأيسر.
برغم ارتجافها وحالة الفزع لن تنكر رقية ان ندباته اضافت لمظهره جاذبية خطرة كرجال العصابات.
عادت تحذيرات سهر وفاطمة تقرع رأسها
(قد يكون شرير يضربك يوميا.... متزوج من ثلاثة غيرك وعنده من الأطفال تسعة)
(قد يكون رجل احدي عصابات سرقة الاعضاء(
زادت افكارها من ارتجافها ورددت في قلبها
(اريد العودة لبيتي)
لم تعرف ان صوتها خرج تلك المرة مهزوزا وإنما مسموع لابراهيم الذي رد بصوته الخشن بلهجة هادئة
( لا تفكري حتي بالأمر...... لا عودة رقية.... لقد أصبحت رهينتي هنا للأبد)

بمجرد ما خرجت كلماته من بين شفتيه حتي علم كم اخطأ في اختيار ألفاظه حين رأها تغيب عن الوعي

(غبي وستظل غبي)شتم ابراهيم وهو يضرب المقود بعنف (ستستغرق خطتك وقت أطول بسبب الرعب الذي أثرته بنفس فأرتك الصغيرة)

المقدمة

هتف اخوه عز الدين من بين انفاسه المتقطعة ( توقف يا زين بالله عليك....سأصاب بنوبة قلبية) وأعقب كلامه بأن ارتمي علي الارض المتربة ممددا قدميه فحذا حذوه الباقون. ظل زين واقفا مكانه يتطلع بهم في إرهاق..... بينما أعلن هلال بنبرته الهادئة

( زين متي ستقتنع يا ابن عمي اننا نلعب للمتعة الخالصة.... للمرح فقط. لماذا تصدر لنا دوما الإحساس اننا نلعب علي كأس العالم)
ضحك الشباب الجالسون أرضا.... عز الدين اخوه وهلال وزيد ولدي عمه ومعهم بضع من اولاد الجيران . اخيراً رد زيد أصغرهم سنا ممازحا( انت زين الدين قاسم ولست زين الدين زيدان يا اخي)
وحده كرم صديق زين المقرب وخطيب ابنة عمه هند تؤام هلال قال بلهجة مختلفة وعينيه مثبتتان بعين صديق عمره (لعب الكرة لايخرج شياطين التفكير من رؤوسنا يا صديق)
اجاب زين ونظراته تهرب لبيتهم المضئ بنهاية الشارع ( لكنها تجعلها تهدأ قليلا )
هناك في نهاية الشارع كان بيتهم الذي يبلغ من العمر اكثر من مئة عام يقف كرجل حكيم يراقب بهدوء ماحوله وهو علي أتم دراية بالمستقبل والحاضر كدرايته بالماضي.
بيت يختلف عن كافة البيوت المحيطة به..... بالرغم من كونه في تلك المنطقة الاثرية العتيقة والتي لازالت محتفظة بسكانها البسطاء... الا ان له شخصية متفردة عميقة بلا تكبر او غرور. بيت ال عثمان الذي كان ولازال لسنوات بيت كبار المنطقة واشرافها. كبار واشراف نعم ولكن دون كبر الجاهلية او تعاليها.


كعادتهم في ليلة الجمعة تجمعت الفتيات في حديقة البيت الصغيرة يتسامرن ويتسلين ....كانت تلك عادتهن منذ نعومة الاظافر الا ان المرح الليلة منقوصا بسبب جميلة ابنة عمتهم فاطمة وماحدث لها.
( لا اصدق.... لا اصدق فعلا ان سامر هذا الشاب الوسيم اللامع يكون بهذه القسوة . سمعت ابي يقول..)
قاطعت هند همس رحيق لمياس بحزم لا يخلو من اللطف
( حبيبتي لا يصح ان تتحدث فتاة في سنك في هذا الامر. متأكدة ان عمي قاسم لم يكن علي علم بوجودك حين تحدث في هذا الموضوع)
تمتمت رحيق معتذرة بخجل لتدخلها فيما لا يعنيها.
كل ما دار ويدور كأنه لايعنيها..... لم تعد تطيق مياس صبرا وعينيها تحتضن بوابة البيت الأمامية في انتظار ظهور هاجرها القاسي
( اولا يجب ان يوصل حتي يهجر يا مياس! متي وصلك ياحزينة لكي يكون الان هاجرك ( ابتسامة سخرية موجوعة ارتسمت علي محياها الجميل لتتلاشي في ثانية يحل محلها ملامح هادئة لا تعبر عن عواصفها الداخلية بشئ وهي تري أخويها هلال وزيد مقبلان مع عز الدين ابن عمها قاسم وأخو رحيق يتبعهم كرم. ظل نظرها معلق بالبوابة كقشة نجاة لعدة دقائق دون أمل.
تعرفه جيدا .... بالتأكيد يقف الان عند البوابة ينهي سيجارته في هدوء غير مبال سوي باحتراق النيكوتين بين أصابعه ولا يخطر بباله المحترقة بنيران الشوق بالحديقة
ولج زين من البوابة بينما يرمي عقب السيجارة من بين أصابعه.... حركات بسيطة تاهت معها مياس وحنينها اليه يغالبها
لم تشعر انها تحدق في زين المتجه اليهم بخطي وثيقه الا حين نكزتها اخته رحيق بخفة.
اقترب ليحيي الجميع بصوته الاجش تحية عامة دون ان يخص احدهم بسلام خاص. شعرت بتلك الحركة البسيطة كخنجر دب بكل قوة في قلبها الغض... لقد أرادها هي بهذا التجاهل وقد وصلها دون نقصان.


كان زين علي وشك تنفس الصعداء لفراره من لقاء يكرهه ولكن لا يستطيع الحياة بدونه. يكرهه لانه يذكره بكم هي بعيده مياس عنه بسنوات ضوئية وإنما لايستطيع الحياة بدون تلك الثوان التي يكون فيها بقربها حتي ولو قرب مزيف. قرب يعلم علم اليقين انه لن يكون نصيبه ابدا ..... قرار اتخذه منذ سنوات حين قرر نحر قلبه بيده قبل ان يؤذي حبيبته
( اه ياوجعي يا مياس) تأوه لنفسه دون صوت وهو لازال في طريقه ( لو تعلمين كم ان الوقوف بجوارك اعب من هواء تتنفسيه مرهق ... لو تعلمين ان سنين عمري كلها ستكون فداك يا حبيبتي )
( انتظر زين...... هناك خبر علي الجميع سماعه ومساعدة مياس في الوصول لقرار)
كانت تلك رحيق التي قاطعت تقدمه بجسمها الممتلئ لتسحبه سحبا حتي وصلا لدائرة الموجودين ثانية.
وقف الجميع بإنتظار مياس التي نظرت لرحيق مستغيثة
أعلنت رحيق بمرح مدروس ( حسنا اذا كنت خجولة سأعلن انا... لقد طلب جارنا الحاج حسين مياس لابنه شادي)
صيحات مختلفة خرجت من هلال المستنكر عدم معرفته كونه اخ العروس وعز وكرم مهنئين بينما زيد المرتبط بشدة بمياس ذهب غاضبا في عقبه هند لتهدئه.
تجول كرم بنظره بين مياس المطرقة أرضا بتوتر لا يليق بعروس وبين زين او تمثال زين الذي قد من حجر.
كان صوته بعيدا كمستغيث وقع في واد سحيق ينادي بصوت يتلاشي في كأبة اليأس ( اذا جاءك من تتسائلين حوله!! ظللت لوقت طويل ترفضين حتي التفكير بأحد المتقدمين)
جف حلقه فجأة وتوقف قلبه عن النبض وهو يسأل بصوت بدا عادي ( هل تعرفينه معرفة شخصية)
شهقة استنكار ندت عنها وهي تتطلع فيه بغضب ( لا اعرفه معرفة شخصية ولا عامه ولا اعرف حتي شكله الا لماما)


مرت اكثر من ساعة ولازالت كلماته تقرع رأسها كمطرقة من حديد ( مبارك يا مياس..... شادي شاب صالح وله مستقبل مبهر بإذن الله)
أسندت مرفقيها علي طاولة الحديقة لتخبئ وجهها بين راحتيها..... لم تتخيل في اسوء كوابيسها تلك الكلمات المجحفة بحق مشاعر لم تعرف سواه. تصورت في خيالها العاشق ان يثور جاذبا إياها لاحضانه معلنا ملكيته لها. تخيلت ان يركع عند قدميها باكيا معتذرا عن سنين جفاء ..لكن ذلك الهدوء وعدم الاكتراث لم تتمناه.
) هل خدعت نفسك يامياس واوهمتها بحب ليس موجودا. تلك الذبذبات الهاربة منه كنظرة إعجاب او تكشيرة غيرة كانت محض خيالك الجائع لزين) شعرت بدموع تبلل راحتيها دون إرادة منها للتوقف.


( أتسمح صغيرتي لعمها العجوز بمقاطعة خلوتها)
صارعت ملامحها لترسم ابتسامة واهنة بوجه عمها قاسم وهو يجلس قبالتها.
بالرغم من ضوء الفجر الوليد استطاع ان يري قاسم


عينيها لوحة ناطقة للحزن ورثاء الذات ..... بينما نظراتها تهرب من تفحصاته الخبيرة.
لن يكون هو اذا استطاع بقلبه العاطفي تجاوز لمعة الدموع في مقلتيها دون اهتمام .... لذا اقترب برأسه من رأسها المائل هامسا بغموض مقصود
(هل تعرفين ياصغيرة كم ان هذا البيت مجحف بحق قلوب رجاله....)
نظرة الاستنكارالمدهوشة منها اراحته حين احتلت مكان الآخري الحزينة لذا استطرد مغمض العينين وصوته العميق يضفي سحرا أسطوريا لما يقول
(اذا فأنت لم تسمعي بحكايا هذا البيت التي ابقوها سرية حتي لاتلهب خيالات صغيرتي العاطفية)
سألت بتعجب ولهفة ( أية حكايا سرية)
فتح عينيه محملقا في وجهها الجميل بينما تعكس الشمس التي تشرق بخجل ألوان نارية بعينيه
( ألم تسمعي بحكاية الرجل الذي تحطم قلبه بهذا البيت لثلاث مرات حتي ضج الجيران من أصوات التحطم وبحثوا له عن الف علاج وعلاج ليجد في النهاية دوائه في غيمة غزل البنات الوردية!
أو لم تسمعي عن المجنون ذي المقص الضخم الذي كان يطارد في المساء سر جنونه فراشته الصغيرة ليقصقص جناحيها!
حتي المقتحم المسكين الذي دخل البيت وهو ليس حتي من أهله خَر قلبه صريع الهوي وظل معلقا بغرفة الغسيل فوق سطح البيت)
رأي من ملامحها المنتبهة وعينيها المتسعة انه احدث اثرا

للتحميل اضغط هنا
↓    ↓    ↓    ↓    







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق